سورة مريم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


قوله تعالى: {أفرأيتَ الذي كفر بآياتنا} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مسروق عن خبَّاب بن الأرتِّ قال: كنت رجلاً قَيْنَاً أي: حداداً وكان لي على العاص بن وائل دَيْن، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت، ثم تُبعث. قال: فإني إِذا مِتُّ ثم بُعثت جئتني ولي ثَمَّ مال وولد، فأعطيتك، فنزلت فيه هذه الآية، إِلى قوله تعالى: {فرداً}.
والثاني: أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، وهذا مروي عن الحسن. والمفسرون على الأول.
قوله تعالى: {لأُوتَيَنَّ مالاً وولداً} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم، وابن عامر: بفتح الواو. وقرأ حمزة، والكسائي: بضم الواو. وقال الفراء: وهما لغتان، كالعُدم، والعَدم، وليس يجمع، وقيس تجعل الوُلد جمعاً، والوَلد، بفتح الواو، واحداً.
وأين زعم هذا الكافر أن يؤتى المال والولد؟ فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد في الجنة على زعمكم.
والثاني: في الدنيا. قال ابن الأنباري: وتقدير الآية: أرأيته مصيباً؟!
قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الغيبَ} قال ابن عباس في رواية: أَعَلِمَ ما غاب عنه حتى يعلم أفي الجنة هو، أم لا؟! وقال في رواية أخرى: أَنَظَر في اللوح المحفوظ؟!
قوله تعالى: {أم اتَّخذ عند الرحمن عهداً} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أم قال: لا إِله إِلا الله، فأرحمه بها؟! قاله ابن عباس.
والثاني: أم قدَّم عملاً صالحاً، فهو يرجوه؟! قاله قتادة.
والثالث: أم عهد إِليه أنه يدخله الجنة؟! قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {كلاَّ} أي: ليس الأمر على ما قال من أنه يؤتَى المال والولد. ويجوز أن يكون معنى {كلاَّ} أي: إِنه لم يطَّلع الغيبَ، ولم يتخذ عند الله عهداً. {سنكتب ما يقول} أي: سنأمر الحفظة بإثبات قوله عليه لنجازيَه به، {ونَمُدُّ له من العذاب مَدّاً} أي: نجعل بعض العذاب على إِثر بعض. وقرأ أبو العالية الرياحي، وأبو رجاء العطاردي: {سيكتب} {ويرثه} بياء مفتوحة.
قوله تعالى: {ونرثه ما يقول} فيه قولان:
أحدهما: نرثه ما يقول أنه له في الجنة، فنجعله لغيره من المسلمين، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء.
والثاني: نرث ما عنده من المال، والولد، باهلاكنا إِياه، وإِبطال ملكه، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال قتادة. قال الزجاج: المعنى: سنسلبه المال والولد، ونجعله لغيره.
قوله تعالى: {ويأتينا فرداً} أي: بلا مال ولا ولد.


قوله تعالى: {واتخَذوا من دون الله آلهة} يعني: المشركين عابدي الأصنام {ليكونوا لهم عِزّاً} قال الفراء: ليكونوا لهم شفعاء في الآخرة.
قوله تعالى: {كلاَّ} أي: ليس الأمر كما قدَّروا، {سيكفرون} يعني الأصنام بجحد عبادة المشركين، كقوله تعالى: {ما كانوا إِيانا يعبدون} [القصص: 63] لأنها كانت جماداً لا تعقل العبادة، {ويكونون} يعني: الأصنام {عليهم} يعني: المشركين {ضِدّاً} أي: أعواناً عليهم في القيامة، يكذِّبونهم ويلعنونهم.
قوله تعالى: {ألم تر أنَّا أرسلنا الشياطين} قال الزجاج: في معنى هذا الإِرسال وجهان.
أحدهما: خلَّينا بين الشياطين وبين الكافرين فلم نعصمهم من القبول منهم.
والثاني: وهو المختار: سَلَّطناهم عليهم، وقيَّضْناهم لهم بكفرهم. {تَؤُزُّهم أَزّاً} أي: تزعجهم إزعاجاً حتى يركبوا المعاصي. وقال الفراء: تزعجهم إِلى المعاصي، وتغريهم بها. قال ابن فارس: يقال: أزَّه على كذا: إِذا أغراه به، وأزَّتْ القِدْر: غَلَتْ.
قوله تعالى: {فلا تعجل عليهم} أي: لا تعجل بطلب عذابهم. وزعم بعضهم أن هذا منسوخ بآية السيف، وليس بصحيح، {إِنما نَعُدُّ لهم عدّاً} في هذا المعدود ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أنفاسهم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال طاووس، ومقاتل.
والثاني: الأيام، والليالي، والشهور، والسنون، والساعات، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثالث: أنها أعمالهم، قاله قطرب.


قوله تعالى: {يوم نحشر المتقين} قال بعضهم: هذا متعلق بقوله: {ويكونون عليهم ضداً، يوم نحشر المتقين} وقال بعضهم: تقديره: اذكر لهم يوم نحشر المتقين، وهم الذين اتَّقَوْا الله بطاعته واجتناب معصيته. وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران الجوني: {يَوم يحشُر} بياء مفتوحة ورفع الشين {ويَسُوق} بياء مفتوحة ورفع السين. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن البصري، ومعاذ القارئ، وأبو المتوكل الناجي: {يوم يُحشَر} بياء مرفوعة وفتح الشين {المتقون} رفعاً {ويُسَاق} بألف وياء مرفوعة {المجرمون} بالواو على الرفع. والوفد: جمع وافد، مثل: ركَبْ، ورَاكِب، وصَحْب، وصاحِب. قال ابن عباس، وعكرمة، والفراء: الوفد: الركبان. قال ابن الأنباري: الركبان عند العرب: ركَّاب الإِبل.
وفي زمان هذا الحشر قولان:
أحدهما: أنه من قبورهم إِلى الرحمن، قاله علي بن أبي طالب.
والثاني: أنه بعد الحساب، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {ونسوق المجرمين} يعني: الكافرين {إِلى جهنم وِرداً} قال ابن عباس، وأبو هريرة، والحسن: عِطَاشاً. قال أبو عبيدة: الوِرد: مصدر الورود. وقال ابن قتيبة: الوِرد: جماعة يَرِدون الماء، يعني: أنهم عطاش، لأنه لا يَرِد الماءَ إِلا العطشان. وقال ابن الأنباري: معنى قوله: {وِرْداً}: واردين.
قوله تعالى: {لا يملكون الشفاعة} أي: لا يشفعون، ولا يُشفَع لهم.
قوله تعالى: {إِلا من اتَّخذ عند الرحمن عهداً} قال الزجاج: جائز أن يكون {مَن} في موضع رفع على البدل من الواو والنون، فيكون المعنى: لا يملك الشفاعة إِلا من اتخذ عند الرحمن عهداً؛ وجائز أن يكون في موضع نصب على استثناءٍ ليس من الأول، فالمعنى: لا يملك الشفاعة المجرمون، ثم قال: {إِلا} على معنى لكن {مَن اتخَذ عند الرحمن عهداً} فإنه يملك الشفاعة. والعهد هاهنا: توحيد الله والإِيمان به. وقال ابن الأنباري: تفسير العهد في اللغة: تقدمة أمر يُعْلَم ويُحْفَظ، من قولك: عهدت فلاناً في المكان، أي: عرفته، وشهدته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7